من كلام السلف عن الموت
عن حذيفة أنه لما حضرته الوفاة قال حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم اللهم إن كنت تعلم أن الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلى من الصحة والموت احب إلى من العيش فسهل على الموت حتى ألقاك.
قيل لأبي الدرداء في مرضه ما تشتكي قال ذنوبي قيل فما تشتهي قال مغفرة ربي قالوا ألا ندعو لك طبيبا قال الطبيب أمرضني
قال الحسن رحمه الله تعالى فضح الموت الدنيا فلم يترك لذى لب فرحا .
وقال الربيع بن خثيم ما غائب ينتظره المؤمن خيرا له من الموت .
وكان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذا كرون الموت والقيامة والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة .
وقال إبراهيم التيمى شيئان قطعا عني لذة الدنيا ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل .
وقال كعب من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وهمومها
وقال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء عظني فقال لست أول خليفة تموت
قال زدني قال ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وقد جاءت نوبتك (دورك) فبكى عمر لذلك .
وكان الربيع بن خثيم قد حفر قبرا في داره فكان ينام فيه كل يوم مرات يستديم بذلك ذكر الموت وكان يقول لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة واحدة لفسد .
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير إن هذا الموت قد نغص على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه(يقصد نعيم الجنة)
وقال عمر بن عبد العزيز لعنبسة أكثر ذكر الموت فإن كنت واسع العيش ضيقه عليك وإن كنت ضيق العيش وسعه عليك .
وقال أبو سليمان الداراني قلت لأم هارون أتحبين الموت قالت لا قلت لم قالت لو عصيت آدميا ما اشتهيت لقاءه فكيف أحب لقاءه وقد عصيته.
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني مؤمل الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس يغفل عنه وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض .
وثلاث أحزنتني حتى أبكتني فراق الأحبة محمد وحزبه وهول المطلع والوقوف بين يدي الله ولا أدري إلى الجنة يؤمر بي أو إلى النار.
وكان علي كرم الله وجهه يحض على القتال ويقول إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش.
وقال الحسن لا راحة للمؤمن إلا في لقاء الله ومن كانت راحته في لقاء الله تعالى فيوم الموت يوم سروره وفرحه وأمنه وعزه وشرفه.
ومرض اعرابي فقيل له إنك ستموت فقال أين يذهب بي قالوا إلى الله قال فما كراهتي أن أذهب إلى من لا يرى الخير إلا منه
وقال أبو المعتمر بن سليمان : قال أبي لما حضرته الوفاة يا معتمر حدثني بالرخص لعلى ألقى الله عز وجل وأنا حسن الظن به .
وكانوا يستحبون أن يذكر للعبد محاسن عمله عند موته لكى يحسن ظنه بربه.
ودخل ملك الموت على سليمان بن داود عليه السلام فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فلما خرج قال الرجل من هذا قال هذا ملك الموت قال لقد رأيته ينظر إلى كأنه يريدني قال فماذا تريد قال أريد أن تخلصني منه فتأمر الريح حتى تحملني إلى أقصى الهند ففعلت الريح ذلك ....
ثم قال سليمان لملك الموت بعد أن أتاه ثانيا رأيتك تديم النظر إلى واحد من جلسائي قال نعم كنت أتعجب منه لأني كنت أمرت أن أقبضه بأقصى الهند في ساعة قريبة وكان عندك فعجبت من ذلك.
لما احتضر أبو بكر رضي الله تعالى عنه جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بهذا البيت :
لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى ----- إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه وقال ليس كذا ولكن قولي (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)
انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما فإن الحي إلى الجديد أحوج من الميت
ودخلوا عليه فقالوا ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك قال قد نظر إلى طبيبي وقال إني فعال لما أريد
ولما ثقل أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأراد الناس منه أن يستخلف فاستخلف عمر رضي الله عنه فقال الناس له استخلفت علينا فظا غليظا فماذا تقول لربك فقال أقول استخلفت على خلقك خير خلقك
ثم أرسل إلى عمر رضي الله عنه فجاء فقال إني موصيك بوصية اعلم إن لله حقا في النهار لا يقبله في الليل وأن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار وأنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يثقل وإنما خفت موازين من خفت موزاينهم يوم القيامة باتباع الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلاالباطل أن يخف ...
لما حضرت معاوية بن أبي سفيان الوفاة قال أقعدوني فأقعد فجعل يسبح الله تعالى ويذكره ثم بكى حتى علا بكاؤه وقال يا رب أرحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي اللهم أقل العثرة واغفر الزلة وعد بحلمك على من لا يرجو غيرك ولم يثق بأحد سواك
ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة نظر إلى غسال بجانب دمشق يلوي ثوبا بيده ثم يضرب به المغسلة فقال عبد الملك ليتني كنت غسالا آكل من كسب يدي يوما بيوم ولم أل من أمر الدنيا شيئا !!!
فبلغ ذلك أبا حازم فقال الحمد لله الذي جعلهم إذا حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه وإذا حضرنا الموت لم نتمن ما هم فيه
ولما ثقل عمر بن عبد العزيز وحضرته الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك يا أمير المؤمنين أبشر فقد أحيا الله بك سننا وأظهر بك عدلا فبكى ثم قال أليس أوقف فأسئل عن أمر هذا الخلق فوالله لو عدلت فيهم لخفت على نفسي أن لا تقوم بحجتها بين يدي الله إلا أن يلقنها الله حجتها فكيف بكثير مما ضيعنا وفاضت عيناه
ولما قرب وقت موته قال أجلسوني فأجلسوه فقال أنا الذي امرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ثلاث مرات ولكن لا إله إلا الله .
وحكى عن هارون الرشيد أنه انتقى أكفانه بيده عند الموت وكان ينظر إليها ويقول ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه
وفرش المأمون رمادا واضطجع عليه وكان يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه
وقال الحجاج عند موته اللهم أغفر لي فإن الناس يقولون إنك لا تغفر لي فكان عمر بن عبد العزيز تعجبه هذه الكلمة منه ويغبطه عليها !!!
ولما حكى ذلك للحسن قال أقالها قيل نعم قال عسى.
ولما حضرت معاذا رضي الله عنه الوفاة قال اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم ارجوك اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجرى الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
ولما حضرت سلمان الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال ما أبكى جزعا على الدنيا ولكن عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب فلما مات سلمان نظر في جميع ما ترك فإذا قيمته بضعة عشر درهما .
ولما حضرت بلالا الوفاة قالت امرأته واحزناه فقال بل واطرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه
وقيل فتح عبد الله بن المبارك عينه عند الوفاة وضحك وقال لمثل هذا فليعمل العاملون
ولما حضرت إبراهيم النخعي الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال انتظر من الله رسولا يبشرني بالجنة أو بالنار
ولما حضرت ابن المنكدر الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك فقال والله ما أبكى لذنب أعلم أني أتيته ولكن أخاف أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم .
ولما حضرت عامر بن عبد القيس الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال ما أبكى جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن ابكي على ما يفوتني من ظمأ الهواجر وعلى قيام الليل في الشتاء .
ودخل المزني على الشافعي رحمة الله عليهما في مرضه الذي توفي فيه فقال له كيف أصبحت يا أبا عبد الله فقال أصبحت من الدنيا راحلا وللإخوان مفارقا ولسوء عملي ملاقيا ولكأس المنية شاربا وعلى الله تعالى واردا ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ثم أنشأ يقول :
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ---- جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ---- بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم ------ تزل تجود وتعفو منة وتكرما
ولولاك لم يغوي بإبليس عابد ----- فكيف وقد أغوى صفيك آدما
وكان الربيع بن خيثم قد حفر في داره قبرا فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيه فاضطجع ومكث ما شاء الله ثم يقول رب إرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت يرددها ثم يرد على نفسه يا ربيع قد رجعتك فاعمل.
وقال مالك بن دينار مررت بالمقبرة فأنشأت أقول:
أتيت القبور فناديتها ---- فأين المعظم والمحتقر
وأين المدل بسلطانه ---- وأين المزكى إذا ما أفتخر
قال فنوديت من بينها أسمع صوتا ولا أرى شخصا وهو يقول:
تفانوا جميعا فما مخبر
وماتوا جميعا ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى
فتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا
أما لك فيما ترى معتبر
ويروى أن أعرابيا سمع ابن عباس يقرأ (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) فقال الأعرابي فوالله ما انقذكم منها وهو يريد أن يوقعكم فيها فقال ابن عباس خذوها من غير فقيه .
احفظْ مَشيبَكَ من عَيبٍ يُدنّسُه .. إنَّ البياضَ سَريعُ الحملِ للدَّنَسِ
الشافعي