الحمد لله رب العالمين، الذي أوضح سبل هدايته، وحرض أولياءه لطاعته وعبادته، فساروا على نهجٍ قويم، وواصلوا السير في طريقهم إلى رضوان الله، وخالفهم آخرون فاتبعوا أهواءهم وجاءهم الأجل المحتوم، وهم مفرطون، فصدق الله رب العالمين: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اما بعد
اخى الحبيب
:ألأتعجب معى اذا قلت لك:ان هذا الكون الفسيح بنواميسه الدقيقة,وجمال صنعه وبديع خلقه سياتى عليه يوم تندثر فيه آثاره!ويلفط آخرآنفاسه ويبدل بعالم اخر(يَوٌمَ تُبَدل.لأارضُ غيَرَ لأارضِ والسّمَوَاتُ وبَرَزُوا ِلِلّه الوَاحد القهار)
اخى الكريم اتدرى ماهذا اليوم اتدرى ؟!
إنه [يوم القيامه
يوم البعث والنشور!يوم الفصل!يوم الحسره!يوم التغابن!يوم الحساب!يوم الوعيد!يوم الجمع!يوم التلاق!يوم التناد!يوم الخروج!يوم لآزفه!يو الخلود!القارعه..الصاخه..الطامة الكبرى..الغاشيه..الحاقه..الواقعه...
اخوانى ياله من يوم جمع من لأسماء والمعانى ماتلين به القلوب!ويفزع لذكره أحياء القلوب!
إننا أمام حدث من أحداث يوم القيامة ، وهولٍ من أهوالها ، تفزع منه القلوب ، وتوجل منه النفوس ، إنه حدث يقرع أسماع أصحاب القبور ، فينتفضون من قبورهم ، مبهوتين ، شعث الرؤوس ، غُبْر الأبدان ، قد أفزعتهم الصيحة ، وأزعجتهم النفخة ، وقد صوّر القرآن هذا المشهد تصويرا بليغاً ، فقال سبحانه : { ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } . فهو حدث عظيم ، وخطر جلل ،
كيف لا وهو ذلك اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت، والكواكب قد انتثرت، والبحار قد سجرت، والنجوم قد انكدرت، والشمس قد كورت، والجبال قد سيرت، والعشار قد عطلت، والوحوش قد حشرت، والنفوس قد زوجت، والجحيم قد سعرت، والجنة قد أزلفت، والجبال قد نسفت، والأرض قد مدت.
وتزلزلت ودكت ،
فالحق تبارك وتعالى يقبض الأرض بيده يوم القيامة ، ويطوي السماوات بيمينه، كما قال تعالى ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) ، وجاء في موضع آخر ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)ا
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( يقبض الله الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول: أنا الملك ، فأين ملوك الأرض ) رواه البخاري ومسلم
وعن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( يطوي الله السماوات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله - وفي رواية: يأخذهن بيده الأخرى - ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون أين المتكبرون ) رواه مسلم
كما
أخبر أن هذه الأرض الثابتة ، وما عليها من جبال صم راسية تحمل في يوم القيامة عندما ينفخ في الصور فتدك دكة واحدة ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ، وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ، فيومئذ وقعت الواقعة ) ، ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ) ، وعند ذلك تتحول هذه الجبال الصلبة إلى رمل ناعم كما قال تعالى ( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي تصبح ككثبان الرمل بعد أن كانت حجارة صماء ، والرمل المهيل : هو الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده ،
كما انها تصبح كالعهن وهو الصوف كما قال تعالى ( وتكون الجبال كالعهن ) ، وفي موضع آخر ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش)ا
ثم إن الحق تبارك وتعالى يزيل هذه الجبال عن مواضعها ويسوي الأرض حتى لا يكون فيها موضع مرتفع ، ولا منخفض ، وعبر القرآن عن إزالة الجبال بتسييرها مرة وبنسفها أخرى فقال تعالى ( وإذا الجبال سيرت ) وقال ( وسيرت الجبال فكانت سرابا ) ، وقال في نسفه لها ( وإذا الجبال نسفت)
ثم بين الحق حال الأرض بعد تسيير الجبال ونسفها ( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ) أي ظاهرة لا ارتفاع فيها ولا انخفاض ، كما قال تعالى ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ، فيذرها قاعا صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا )ا
أما البحار التي تغطي الجزء الأعظم من هذه الأرض وتعيش في باطنها عوالم هائلة من الأحياء ، فإنها تفجر في ذلك اليوم ، وقد علمنا في هذا العصر الهول العظيم الذي يحدثه انفجار الذرات الصغيرة التي هي أصغر من ذرات الماء فكيف إذا فجرت ذرات المياه في هذه البحار العظيمة ، عند ذلك تسجر البحار ، وتشتعل نارا ، ولك أن تتصور هذه البحار العظيمة الهائلة وقد أصبحت مادة قابلة للإشتعال ، كيف يكون منظرها ، اللهب يرتفع مها إلى أجواز الفضاء ، قال تعالى ( وإذا البحار فجرت ) ، وقال ( وإذا البحار سجرت ) ، وقد ذهب المفسرون قديما إلى أن المراد بتفجير البحار ، تشقق جوانبها وزوال ما بينها من الحواجز واختلاط الماء العذب بالماء المالح ، حتى تصير بحرا واحدا ، وما ذكرناه أقرب وأوضح ، فإن التفجير بالمعنى الذي ذكرناه مناسب للتسجير والله أعلم بالصواب
وهذه السماء الجميلة التي ننظر إليها فتنشرح صدورنا وتسر قلوبنا فإنها تمور مورا وتضطرب اضطرابا عظيما ( يوم تمور السماء مورا ) ثم إنها تنفطر وتتشقق ( إذا السماء انفطرت ) ، ( إذا السماء انشقت ، وأذنت لربها وحقت ) ، وعند ذلك تصبح ضعيفة واىهية كالقصر العظيم المتين البنيان الراسخ الأركان عندما تصيبه الزلازل ، تراه بعد القوة أصبح واهيا ضعيفا متشققا ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية )ا
أما لون السماء الأرزق الجميل فإنه يزول ويذهب ، وتأخذ السماء في التلون في ذلك اليوك كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء ، وتارة صفراء ، وأخرى خضراء ، ورابعة زرقاء ، كما قال تعالى ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) ، وقد نقل عن ابن عباس أن السماء تكون في ذلك اليوم كالفرس الورد ، والفرس الورد - كما يقول البغوي - تكون في الربيع صفراء ، وفي الشتاء حمراء ، فإذا اشتد البرد تغير لونها ، وقال الحسن البصري في قوله ( وردة كالدهان ) أي تكون ألوانا
والشمس التي تغمر هذه الحياة بالضياء ، فإنها تجمع وتكور ، ويذهب ضوؤها كما قال تعالى ( إذا الشمس كورت ) ، والتكوير عند العرب : جمع الشيء بعضه على بعض ، ومنه تكوير العمامة ، وجمع الثياب بعضها على بعض ، وإذا جمع بعض الشمس على بعض ، ذهب ضوؤها ورمى بها
أما القمر الذي نراه في أول الشهر هلالا ثم يتكامل ويتنامى حنى يصبح بدرا جميلا بديعا ، فإنه يخسف به ويذهب ضوؤه ( فإذا برق البصر ، وخسف القمر )ا
أما تلك النجوم المتناثرة في القبة السماوية الزرقاء ، فإن عقدها ينفرط فتتناثر وتنكدر ( وإذا الكواكب انتثرت ) ، وقال تعالى ( وإذا النجوم انكدرت) ، والانكدار : الانتثار ، وأصله في لغة العرب : الانصباب
عباد الله:
ومع كل هذه الاحداث فقد وردت نصوص كثيرة ترهب من ذنوب توعد الله من ارتكبها منهم المتكبرون
فالكبر جريمة كبرى في حكم الله وشرعه ، والله يبغض أصحابها أشد البغض ، وعندما يبعث الله العباد يحشر المتكبرين في صورة مهينة ذليلة ، ففي الحديث الذي يرويه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة ، في صور الرجال يغشاهم الذل من مكان) ، والذر صغار النمل ، وصغار النمل لا يعبأ به الناس ، فيطؤونه بأرجلهم وهم لا يشعرون 0
وسيفضح الله تعالى فى ذلك اليوم اهل الغدر فى الدنيا
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء ، فقيل : هذه غدرة فلان ابن فلان ) رواه مسلم . والغادر : الذي يواعد على أمر ولا يفي به، واللواء : الراية العظيمة لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب ، أو صاحب دعوة الجيش ، ويكون الناس تبعا له. فالغادر ترفع له راية تسجل عليها غدرته ، فيفضح بذلك يوم القيامة، وتجعل هذه الراية عند مؤخرته ، فعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة) رواه مسلم
وكلما كانت الغدرة كبيرة عظيمة كلما ارتفعت الراية التي يفضح بها في يوم الموقف العظيم، فعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة) رواه مسلم ، وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة ، وكانت غدرته كذلك لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير ، ولأن الحاكم أو الوالي يملك القوة والسلطان فلا حاجة به إلى الغدر. وقد كانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل ومواسم الحج ، وكذلك يطاف بالجاني مع جنايته
ومن اغتصب ارضا فى الدنيا يفضح يوم القيامة بأن يطوق بسبع ارضين يوم القيامة
فعبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ) رواه البخاري
وممن يفضح يوم القيامة ذو الوجهين
فشر الناس يوم القيامة المتلون الذي لا يثبت على حال واحدة وموقف واحد ، فيأتي هؤلاء بوجه ، وهؤلاء بوجه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس يوم القيامة ذا الوجهين ، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) رواه البخاري ومسلم
وورد في بعض الأحاديث أن هذا الصنف من الناس يكون له لسان من نار يوم القيامة ، فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان له وجهان في الدنيا كان له لسان من نار يوم القيامة ( رواه أبو داود
عباد الله :
وهناك
صنف من عباد الله لا يفزعون عندما يفزع الناس ،ولا يحزنون عندما يحزن الناس ، أولئك هم أولياء الرحمن الذين آمنوا بالله ، وعملوا بطاعته استعدادا لذلك اليوم، فيؤمنهم الله في ذلك اليوم ، وعندما يبعثون من القبور تستقبلهم الملائكة تهدئ من روعهم وتطمئن قلوبهم ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ، لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) والفزع الأكبر هو ما يصيب العباد عندما يبعثون من القبور وفي ذلك اليوم ينادي أولياء الرحمن مطمئنا لهم ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) وفي موضع آخر ( إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) والسر في هذا الأمن الذي يشمل الله به عباده الأتقياء ، أن قلوبهم كانت في الدنيا عامرة بمخافة الله ، فأقاموا ليلهم ، وأظمؤوا نهارهم ، واستعدوا ليوم الوقوف بين يدي الله فقال تعالى مخبرا عن مقالتهم ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) ومن كان هذا حاله وقاه الله شر ذلك اليوم ) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( قال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ، لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين ، إن هو امنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي ، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ) رواه أبو نعيم في الحلية وإسناده حسن . قال تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
تخيلوا ايها الاحبة
عندما يكون الناس في الموقف العظيم تحت وهج الشمس القاسي يذوقون من البلاء شيئا تنوء بحمله الجبال الشم الراسيات يكون فريق من الأخيار هانئين في ظل عرش الرحمن ، لا يعانون الكربات التي يقاسي منها الآخرون . وهؤلاء هم أصحاب الهمم العالية والعزائم الصادقة وقد جاء وصف هؤلاء في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) رواه البخاري
وقد جاءت نصوص كثيرة على إظلال الله للمتحابين فيه في ظل عرشه في ذلك اليوم ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي ، يوم لا ظل إلا ظلي )رواه مسلم .
والإظلال في ظل العرش ليس مقصورا على السبعة المذكورين في الحديث ، فقد جاءت نصوص كثيرة تدل على أن الله يظل غيرهم ، وقد جمع ابن حجر العسقلاني الخصال التي يظل الله أصحابها في كتاب سماه ( معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال) ،
ومن هذه الخصال : إنظار المعسر أو الوضع عنه ، ففي صحيح مسلم ومسند أحمد عن أبي اليسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظله الله يوم القيامة ) ، وعن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة ) رواه أحمد
ومن أعظم ما يفرج الله به كربات العبد يوم القيامة سعي العبد في الدنيا في فك كربات المكروبين ، ومساعدة المحتاجين ، والتيسير على المعسرين وإقالة عثرات الزالين ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) رواه مسلم . وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة ، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ) رواه البخاري .
وأما العادلون ففي مقام رفيع ، يجلسون على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) رواه مسلم
والشهداء ايها الاحبة لهم مقام عند الله عظيم فعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوته منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقربائه) رواه الترمذي . والشاهد في الحديث أن الشهيد يأمن من الفزع الأكبر ، وهو فزع يوم القيامة ، ومثل الشهيد المرابط في سبيل الله ، فقد روى الطبراني بإسناد صحيح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( رباط يوم خير من صيام دهر ، ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر وغدى عليه برزقه وريح من الجنة ، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله ) .
ومن إكرام الله للشهيد يوم القيامة أن الله يبعثه وجرحه يتفجر دما اللون لون دم ، والريح ريح مسك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة اللون لون دم ، والريح ريح المسك) رواه البخاري . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من قاتل في سبيل الله فواق ناقه- ما بين الحلبتين- فقد وجبت له الجنة ، ومن جرح جرحا في سبيل الله ، أو نكب نكبة ، فإنها تجيء يوم القيامة كأغرز ما كانت ، لونها الزعفران ، وريحها المسك) رواه الترمذي والنسائي وأبو داود بإسناد صحيح . قال ابن حجر : قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى
عباد الله :
وللخلق فى ذلك اليوم مقام محمود
فكثيرة هي المواقف العصيبة التي يصيب العبد فيها الأذى ، وقد يكون مصدره قريب أو صديق أو محسن إليه ، ولا شك أن الأذى المسموع أو المرئي أو المحسوس الذي يصيبنا يسبب لنا ألما في أعماقنا ، فتجيش نفوسنا بأنواع الانفعالات التي تدعونا إلى المواجهة الحادة وضبط النفس في مثل هذه الحالات لا يملكه إلا أفذاذ الرجال . إن الإسلام يعد كظم الغيظ خلقا اسلاميا راقيا يستحق صاحبه التكريم فالجنة التي عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، وكظم الغيظ في مقدمة صفات المتقين ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) . وفي يوم القيامة يدعو رب العزة والجلال من كظم غيظه على رؤوس الخلائق ثم يخيره في أي الحور العين شاء، فعن سهل بن معاذ بن جبل عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من كظم غيظا وهو يقدر أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور العين شاء ) رواه الترمذي
ومن الذين يظهر فضلهم يوم القيامة المؤذنون ، فهم أطول الناس أعناقا في ذلك اليوم ، فعن معاوية بن أبي سفيان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ) رواه مسلم .
حال الأتقياء : الذين يشيبون في الإسلام
واما الشيب فهو
نورا لصاحبه إذا كان مسلما ي يوم القيامة ، كما صحت بذلك الأحاديث، عن كعب بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ) رواه الترمذي والنسائي . وروى البيهقي في شعب الإيمان بإسناد حسن عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيب نور المؤمن ، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة ) ، وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ( لا تنتفوا الشيب ، فإنه نور يوم القيامة ،من شاب شيبة في الإسلام كانت له بكل شيبة حسنة ، ورفع بها درجة ) رواه ابن حبان بإسناد حسن . وروى ابن عدي والبيهقي في الشعب عن فضالة بن عبيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيب نور في وجه المسلم ، فمن شاء فلينتف نوره)
اللهم انظمنا في سلك الفائزين برضوانك، واجعلنا من المتقين الذين أعددت لهم فسيح جناتك، وأدخلنا برحمتك في دار أمانك، وعافنا يا مولانا في الدنيا والآخرة من جميع البلايا، وأجزل لنا من مواهب فضلك وهباتك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.